إنجاز المهام بأسلوب اذا / سوف
إنجاز المهام بأسلوب (اذا/ سوف)
جميعنا
لدينا كماً من المهام التي نأمل في إتمامها وإنجازها (أو يجب علينا
إتمامها حتى لو لم نكن نرغب في ذلك)، وما أن ننتهي من إنجاز بعضها إلا
وأفواجاً جديدة منها تنهمر علينا من كل جانب. فيمكننا تشبيه تدفق المهام
بالنهر الجاري؛ فلا هي التي تتوقف عن الجريان (طالما أن المرء حي يرزق) ولا
هي التي تقبل بأن يقف شيء في طريقها! وبالتالي إن لم ننشئ لها مصارف سليمة
لتتنقل خلالها هذه المهام بإنسيابية فإنها ستتراكم علينا حتى تغدو كالسيل
ويصبح أحدنا يشعر أنه كالغريق من كثرتها.
أو
بتشبيه أقل مبالغةً فيمكننا القول بأننا كثيراً ما نجد أنفسنا في وضع
"إنجازي" دون المأمول – "إن صح التعبير؛ مما يولد لدينا نوعاً من الإحباط
نبدأ بعدها بالبحث عن مسببات لنلقي باللوم عليها مثل " قلة الوقت" و "صعوبة
وتعقد الظروف" الأمر الذي يزيد من الشعور بالإحباط كوننا نعلم في داخل
أنفسنا أنها عوامل خارجة عن قدرتنا!
خذ
عامل "الوقت" على سبيل المثال، فهو عامل ثابت للبشر جميعاً (اليوم مكون من
24 ساعة كل ساعة تحوي ستون دقيقة؛ ولعل هذا الشيء الوحيد الذى يتساوى فيه
البشر!) وستظل كذلك إلى ماشاء الله، وبالتالي إلقاء اللوم عليها ما هو إلا
مضيعة "لها". بالنسبة للظروف الأخرى مثل الحالة المادية أوالإجتماعية وما
شابه فمع أنها مؤثرة إلا أنها لم تمنع الفقير مثلاً من السعي ليصبح ثرياً
وتحقق له ذلك بفضل من الله ثم بالجهد والمثابرة، كما لم تمنع الكفيف من أن
يصبح عالماً تستنير به الأمة؛ وغيرها من الشواهد والقصص والتي هي أكثر مما
يمكن حصره؛ وكما يقول الشاعر:
حاول جسيمات الأمور ولا تقل *** إن المحامــد والعلى أرزاق
وارغب بنفسك أن تكون مقصرا *** عن غاية في الطلاب سباق
وارغب بنفسك أن تكون مقصرا *** عن غاية في الطلاب سباق
لذا
فإنه من الأجدى تعويد النفس على التعاطي مع تلك العوامل على أنها "تحديات"
وليست عوائق، وأن نسعى في تحري أسباب النجاح والإنجاز رغم تلك التحديات لا
الإنشغال بالبحث عن شماعات لنعلق عليها الإخفاقات. وهذا يقودنا إلى موضوع
هذا المقال والذي سأستعرض فيه – إن شاء الله – طريقة سهلة يمارسها الجميع
أثبتت الدراسات على فعاليتها في مضاعفة قدرتنا على إتمام وإنجاز المهام
وذلك من خلال الإهتمام بالطريقة التي نتحدث فيها مع أنفسنا.
اذا........ سوف........... !
هل
تنتقي كلماتك بدقة عندما تتحدث مع إنسان مهم أو في أمر مهم؟ الإجابة عادة
هي نعم؛ ولكن لماذا؟ لأن الكلمات التي ننتقيها أثناء حديثنا مع الآخرين
(مثل حديث موظف مع مديره)؛ وللآخرين (مثل حديث أم مع أبنائها)؛ ستؤثر بشكل
مباشر في النتائج التي نحصل عليها من تلك المحادثة. وهذا أيضا ينطبق على
الكلمات والعبارات التي نستخدمها عندما نحدث أنفسنا؛ فلنفرض أن هناك مهمة
تريد إتمامها وتريد أن تذكر أو تحفز نفسك على القيام بها؛ فقد تقول لنفسك:
"سأقوم بتلك المهمة عندما يصبح لدي وقت "
عقلك الباطن سيتعامل مع صيغة الطلب هذه بشكل مختلف تماماً عما لو قلت لنفسك:
"اذا حان المساء سوف أقوم بمشيئة الله بتلك المهمة"
ففي
حالة الطلب الثاني أنت أعطيت الضوء الأخضر لعقلك الباطن بأن يجعل من تلك
المهمة من أولوياتك لذلك المساء، بينما في الحالة الأولى التنفيذ معلق بشرط
"توفر الوقت" وهو أمر مبهم بالنسبة لعقلك الباطن بسبب صعوبة تحديد ذلك
الشرط "توفر الوقت"! فمتى يتوفر الوقت؟ الساعة الخامسة؟ السادسة؟ غداً؟ بعد
أسبوع؟ وقس على ذلك.
الآن
الشرط الذي في الحالة الثانية "مساء اليوم" فلاحظ كيف أنه شرط واضح للغاية
مما يسهل على عقلك الباطن ترقب حصوله ومن ثم تنبيهك بالمهمة التي عقدت
العزم على القيام بها حينها.
وقد
أثبتت العديد من الدراسات (لعل من أهمها الدراسات التي قام بها جولويتزر)
جدوى هذا النوع من التخطيط (أي التخطيط بأسلوب اذا/سوف) في مضاعفة فرص
إتمام وإنجاز المهام، ولعل من أهمها الدراسة التي أجريت على مجموعة من
المتطوعين ممن كانوا ينوون ممارسة الرياضة بإنتظام، وتم تقسيمهم إلى
مجموعتنين: مجموعة طلب منها أن تنوي البدء في ممارسة الرياضة والعزم على
الإستمرار عليها ولكن دون تحديداً دقيقاً لعناصر مثل متى ينوون ذلك وكيف
الخ.؛ أما المجموعة الأخرى فطلب منهم الباحثون تحديد هدف القيام بممارسة
الرياضة بدقة (مثلاً: اذا كان يوم السبت والإثنين والأربعاء الرابعة والنصف
عصرا فسوف أبدأ بممارسة الرياضة لمدة ساعة كاملة).
وبعد
مرور عدة أشهر وجد الباحثون أن فقط 34% من المجموعة التي لم يطلب من
أعضاءها التحديد الدقيق لهدف القيام بمارسة مازالوا يمارسون الرياضة بشيء
من الإنتظام، بينما أعضاء المجموعة التي حددوا أهدافهم بدقة فإن 91% منهم
مازالوا مستمرين في ممارسة الرياضة بإنتظام!أوأو
وحرصاً
من الباحثين على تجربة مدى قدرة النظرية على الصمود في مواجهة حالات معقدة
فقد أجروا دراسة مشابهة ولكن هذه المرة إختار الباحثون مجموعة متطوعين من
مستشفى لعلاج الإدمان (الهدف هو إختبار مدى تحسن القدرة على الإنجاز عند من
يعانون من حالات إحباط وإكتئاب شديد بسبب الإدمان – عافانا الله وإياكم)؛
حيث طلب الباحثون منهم إعداد سيرة ذاتية تساعدهم في الحصول على عمل بعد
خروجهم من المشفى. وكالدراسة السابقة تم تقسيمهم إلى مجموعتين، مجموعة طلب
منها تحديد المكان والزمان الذي سيقومون فيه بإعداد سيرهم الذاتية،
والمجموعة الأخرى إكتفى الباحثون بطلب السيرة الذاتية دون تحديد "للمتى
والأين"؛ ومثل الدراسة السابقة فإن الغالبية العظمى ممن قام بتحديد المتى
والأين قد أتموا سيرهم الذاتية على عكس المجموعة الأخرى والتي لم يتجاوز
معدل الإنجاز فيها الـ 20%.
ما
السبب في فعالية هذا النوع من التخطيط؟ لأنها تتناسب وطبيعة العقل البشري
والكيفية التي يتم بها ترميز المعلومات داخل الدماغ. فعندما تحدد الشرط
"اذا حدث كذا أو صار كذا أو عند كذا" فإن عقلك الباطني سيترقب حدوث الشرط
الذي حددته ومن ثم يبحث عن الفعل المرتبط بذلك الشرط ( سوف أفعل كذا أو
أقوم بكذا) وينبهك للقيام به.
وفي
العموم هذه النتائج يجب أن لا تفاجأنا فكلنا نستخدم هذا النوع من التخطيط
في حياتنا اليومية وبشكل تلقائي، فإستيقاظنا يومياً في أوقات محددة للذهاب
إلى العمل أو الدراسة ؛ أو تأهبنا للصلاة عند سماع الآذان ماهي إلا تجسيد
عملي لإستراتيجية التخطيط بأسلوب (اذا/سوف). ففي الحالتين أنت تقول لنفسك
"اذا صارت الساعة السابعة سوف أذهب للعمل" و"اذا سمعت الآذان سوف أستعد
للصلاة" وغدت هذه المهام روتينية بالنسبة لك ولم تعد بحاجة إلى تذكير بها
(طبعاً ليس بالضرورة أنك استخدمت نفس هذه الصيغة تحديدأ أو بشكل صريح علني
إلا أن المحصلة واحدة). والفكرة هنا هو التوسع في تطبيق هذا الأسلوب من
التخطيط لتشمل مهام وأهداف أخرى ترغب في إتمامها وإنجازها.
أمثلة على التخطيط بأسلوب (اذا/سوف)
- اذا حل الظهر ولم أنتهي من إعداد التقرير سوف أعمل بعد الظهر لمدة ساعتين متواصلتين حتى أنتهي منه بإذن الله
- كل يوم أحد وأربعاء سوف أمارس الرياضة اذا صارت الساعة الرابعة والنصف عصراً
- اذا صارت الساعة التاسعة مساءً عصراً سوف أقرأ جزء كاملاَ من القرآن ان شاء الله
فمجرد
إعداد خططك بأسلوب (اذا/سوف) فإن اللاوعي لديك سيتحين الجزء الـ (شرطي) في
خطتك وما أن يجدها فسيذكرك بباقي الخطة وهو جزء الـ (الفعل) المرتبط
بالشرط. ولأنك حددت مسبقاً ما تريد فعله فيمكنك بالتالي تنفيذ خطتك الأصلية
بشكل تلقائي وحتى لو كنت منشغلاً بأمور أخرى حينها. بالطبع يمكنك إستخدام
صيغ أخرى تؤدي نفس المعنى؛ مثلاً: عندما/اذن/سأقوم/ الخ.) المهم تحقيق
المعنى.
بالنسبة
لآلية التطبيق فإن الدراسات لم تشر إلى أن المتطوعين إستخدموا أي أدوات
لتسجيل المهام سوى ذاكرتهم. مع ذلك ولنتائج أفضل يمكنك استخدام مفكرة أو
قائمة مهام ورقية أو رقمية لتسجيل مهامك بأسلوب (اذا/سوف) وأيضاَ تذكيرك
بها في حالة الأدوات الرقمية. أنن
جرب هذا النوع من التخطيط مع بعض المهام العالقة لديك وإن شاء الله سترى نتائج إيجابية.
محمد القفيدي
تعليقات
إرسال تعليق