بطليموس العرب "أبو الريحان البيروني"
أبو
الريحان محمد بن أحمد البيروني، ولد في الخامس من شهر سبتمر عام 973 في
ضاحية كاث عاصمة خوارزم في أوزباكستان. وهو مسلم سني عاش في العصر العباسي
وهو العصر الذهبي للحضارة الإسلامية، وأصله العرقي فارسي، وأطلق عليه
المستشرقون تسمية "بطليموس العرب" حيث كان البيروني رحّالاً وفلكياً
وجغرافياً وجيولوجياً، وبرع أيضاً في الفلسفلة والرياضيات والصيدلة وكان
مؤرخاً ومترجماً لثقافات الهند أيضاً، ووُصف بأنه من بين أعظم العقول التي
عرفتها الثقافة الإسلامية والبشرية أجمع، وهو أول من قال بأن الأرض تدور
حول محورها، صنف البيروني كتباً تزيد عن المائة والعشرين كتاباً في شتى
المجالات، ويعتبر البيروني أب علم الإنسان، ومؤسس علم الميكانيكا التجريبي،
والفلك التجريبي.
رحل
البيروني إلى جرجان في سن الـ 25 حيث إلتحق ببلاط السلطان أبو الحسن قابوس
وشمجير شمس المعالي ونشر هناك أولى كتبه وهو (الآثار الباقية، عن القرون
الخالية) الذي يحتوي على التسلسل الزمني للأمم القديمة حوالي عام 1000،
وبعد عودته إلى موطنه ألف ثاني مؤلفاته الكبرى (تحقيق ما للهند من مقولة،
مقبولةٍ في العقل أو مرذولة).
وقد
تأثر البيروني بالعديد من الشخصيات البارزة مثل النبي محمد صلى الله عليه
وسلم وأبو بكر الرازي وابن سينا، وقد تأثر به عمر الخيام مؤسس علم حساب
المثلثات الذي سنتحدث عنه لاحقاً إن شاء الله، وكان البيروني على دراية
بلغاتٍ عدة، مثل الفارسية والعربية والسنسكريتية وعرف أيضاً العبرية
والسريانية واليونانية.
(تمثال البيروني في إيران)
سافر
البيروني إلى الهند وأصبح من أهم الملهمين للعلوم الهندية الإسلامية وألف
هناك كتابه "تاريخ الهند"، وقد أعطوه لقب "مؤسس علم الهنديات" وقد كانت له
إسهامات في علوم الأرض وقد سُمّي أيضاً "أبو الجوديسيا" وهي فرع من
الرياضيات. وبرع البيروني في التاريخ، فكان كل من قرأ مؤلفاته في التاريخ
يشهد له بالبراعة وخاصة المستشرقين الأوروبيين وينبهرون من دقة وصفه وسعة
ثقافته وانفتاحه على الأمم التي زارها.
(محرك البحث الشهير "جوجل" يحتفل بذكرى مولد البيروني)
ألف
البيروني في الفلك والرياضيات 95 كتاباً من مجموع مؤلفاته البالغة 146
كتاباً، تحوي هذه الكتب 65% مما تم إكتشافه في علم الفلك والقواعد الأساسية
التي يعتمد عليها في العصر الحديث، وقد كتب الكثير من التعليقات على علم
الفلك الهندي في كتابه "تاريخ الهند"، حيث تحدث عن دوران الأرض حول محورها
في رسالة لعمل الفلك لم تعد موجودة وتحدث أيضاً عن هذا الموضوع في كتابه
"مفتاح علم الفلك"، وقد دخل في كثير من المناقشات حول دوران الأرض وخاصة مع
ابن سينا، كما أنه إعترض على توقعات أرسطو حول علم الفلك وقد أثبت
بالتجربة أن الفراغ موجود وقد هاجم أرسطو في إعتقاده بأن الأجرام السماوية
ثابتة وقد فسر ظاهرتي الكسوف والخسوف.
وكانت
ملاحظاته هي المرجع الرئيس الذي لجأ إليه العالِم دانثورن لحساب العجَلَة
التي يتحرك بها القمر، وقد ذكر مجرة درب التبانة كجزء من عدد كبير من
المجرات الأخرى في الكون وقد إخترع بعض الأدوات المستخدمة في علم الفلك.
وتحدث البيروني أيضاً في مجال الفيزياء عن أن سرعة الضوء لا تقارنها سرعة،
وأن سرعته أكبر من سرعة الصوت، وقد قام بالعديد من التجارب الفيزيائية
وشارك في علمي الديناميكا والإستاتيكا، وقد تحدث عن الكثافة للكثير من
المعادن مثل الذهب والفضة والماء والنحاس والحديد والزئبق والبرنز، ومن
المسائل الفيزيائية أيضاً، ظاهرة تأثير الحرارة في المعادن، وضغط السوائل
وتوازنها، وتفسير بعض الظواهر المتعلقة بسريان الموائع، وظاهرة المد والجزر
وسريان الضوء، فقد لاحظ أن المعادن تتمدد عند تسخينها، وتنكمش إذا تعرضت
للبرودة.
أما
في مجال الجغرافيا، فقد رسم خطوط الطول والعرض ووضع نظرية لقياس نصف قطر
الأرض وحساب محيطها، وذلك عن طريق قياس إرتفاع الجبل ثم نقله إلى جبل
بيندان خان في باكستان.
وفي
ظاهرة الجاذبية أيضاً، كان البيروني مع إبن الحائك، من الرواد الذين قالوا
بأن للأرض خاصية جذب الأجسام نحو مركزها، وقد تناول ذلك في آراء بثّها في
كتب مختلفة، ولكن أشهر آرائه في ذلك ضمّنها كتابه "القانون المسعودي".
(صورة لأحد صفحات كتاب "القانون المسعودي")
ورغم
إهتمامه الكبير في مجال العلوم، إلا أنه كتب أيضاً في الأدب وكتب شرح
ديوان أبو تمام ومختار الآثار والأشعار، وكتب في الفلسفة عدة كتب منها:
المقالات والآراء، مفتاح علم الهند، و جوامع الموجود في خواطر الهنود،
وبهذه المؤلفات يكاد البيروني يكون قد ألَّف في كل فروع المعرفة التي عهدها
عصره؛ فقد كتب في الرياضيات والفلك والتنجيم والحكمة والأديان والتاريخ
والجغرافيا والجيولوجيا والأحياء والصيدلة.
(صورة للإتجاهات كما رسمها البيروني)
وبعد
إنجازات مبهرة وحياة علمية حافلة بالعطاء، وفي رجب سنة 440 هجري، 1048
ميلادي، توفي البيروني رحمه الله وفي خبر وفاته يحكي أبو الحسن علي بن عيسى
فيقول: دخلت على أبي الريحان وهو يجود بنفسه، فقال لي: كيف قلتَ لي يوماً
في حساب الجدّات الفاسدة؟ فقلت له إشفاقاً عليه: أفي هذه الحالة؟ قال: يا
هذا، أُودِّع الدنيا وأنا عالم بهذه المسألة، ألا يكون خيراً من أن
أخلِّيها وأنا جاهل بها؟ فأعدتُ ذلك عليه وحفظ، وعلّمني ما وعد، وخرجت من
عنده، وأنا في الطريق فسمعت الصراخ عليه !
وهكذا
كان علماء المسلمين، وهكذا كانت همتهم يوم أن ناطحت السماء وسمت عليها،
حتى أورثوا أمتهم حضارة علت على العلياء، وأبت على الأعداء، وقادت البشرية
جمعاء، وكانت سبباً مباشراً في بناء الأمم والحضارات اللاحقة.
تعليقات
إرسال تعليق